يُدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأشد العبارات الجريمة الجديدة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم الأربعاء الموافق 4 يونيو 2025، باستهدافها المتكرر لمستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، عبر ثلاث غارات شنتها طائرات الاحتلال المسيّرة خلال أقل من ساعة. ويؤكد المركز بأن صمت المجتمع الدولي على هذه الجرائم المتكررة، وخاصة استهداف المستشفيات والمراكز الصحية، يمثل تواطؤًا وإخلالًا فادحًا بالتزامات القانون الدولي، وبذلك يجدد مطالبته بتحرك حقيقي يضع حدًا لإفلات قادة الاحتلال من العقاب ويعيد الاعتبار لقيم العدالة والكرامة الإنسانية.
ووفق تحقيقات المركز، استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي المسيّرة سطح مبنى إدارة مستشفى شهداء الأقصى ثلاث مرات متتالية، بفاصل زمني يقارب النصف ساعة بين كل ضربة، وذلك ابتداءً من حوالي الساعة 9:30 صباحًا. ورغم خطورة الاستهداف، لم يُسجَّل وقوع إصابات في صفوف المرضى أو الطواقم الطبية، إلا أن القصف المتكرر أسفر عن أضرار جسيمة لحقت بخزانات المياه وتمديداتها، كما تسبب بحالة من الذعر والارتباك الشديد في صفوف الطواقم الطبية والمرضى والمرافقين، ما اضطر إدارة المستشفى إلى إخلاء أجزاء من المرافق وتعطيل العمل جزئيًا، رغم توافد أعداد كبيرة من المصابين جراء استمرار القصف الإسرائيلي.
ويُعد مستشفى شهداء الأقصى مرفقًا طبيًا محوريًا يخدم سكان المحافظة الوسطى بقطاع غزة، ويُشكّل ركيزة أساسية في تقديم خدمات الطوارئ والرعاية الصحية في منطقة تعاني من تدهور مروّع في البنية التحتية الصحية. يؤكد المركز أن هذه الجريمة ليست حادثًا معزولًا، بل تندرج في سياق سياسة ممنهجة تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتقويض عمل المنظومة الصحية في قطاع غزة، والتي شملت منذ بدء تكثيف العمليات العسكرية الأخيرة إخراج جميع مستشفيات محافظة شمال القطاع من الخدمة، واستهداف مستشفى غزة الأوروبي واخراجه عن الخدمة رغم أهميته، ومؤخرًا إصدار أوامر بإخلاء مناطق واسعة في مدينة خانيونس تضم مستشفيات مركزية مثل مجمع ناصر الطبي، وهو المستشفى الوحيد الذي يحتوي بنك دم في جنوب القطاع.
لقد بات الوضع الصحي في قطاع غزة كارثيًا بكل المقاييس، مع تواصل خروج المستشفيات عن الخدمة وتوقف أقسام حيوية عن العمل في المستشفيات المتبقية، نتيجة الاستهداف المباشر والنقص الحاد الذي يطال 43% من قائمة الأدوية الأساسية، و64 % من المستهلكات الطبية.1 وتشير إفادات قدمها أطباء لباحثي المركز إلى عجز تام في توفير وحدات دم للجرحى والمرضى، ومعظم من يطلب منهم التبرع بالدم غالبًا ما يكونون بحاجة إلى نقل دم نتيجة تعرضهم لسوء تغذية مع استمرار تدهور الوضع الإنساني في القطاع. ووفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية – مجموعة الصحة في الأرض الفلسطينية المحتلة، فإن النظام الصحي في قطاع غزة تعرّض منذ بدء العدوان لما لا يقل عن 720 هجومًا موثقًا حتى تاريخ 22 مايو 2025، شملت تدمير أو تضرر 597 منشأة صحية، واستهداف مباشر لـ 186 وسيلة نقل طبي، بما في ذلك سيارات الإسعاف، ما أدى إلى تعطل الخدمات الإسعافية المنقذة للحياة. كما أسفرت هذه الاعتداءات عن مقتل 917 من الكوادر الصحية، إلى جانب اعتقال 70 مريضًا، وأكثر من 300 من الكوادر الطبية خلال تأديتهم لواجبهم الإنساني.2
إن استهداف المنشآت الطبية يشكل انتهاكًا صارخًا وجريمة بموجب القانون الدولي الإنساني، وخصوصًا اتفاقيات جنيف، التي تحظر التعرض للمرافق الطبية أو تعطيل عملها بأي شكل. كما يُشكل هذا الاستهداف المتكرر جزءًا من سياسة أوسع قد ترقى إلى جريمة إبادة جماعية بموجب المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، والتي تجرّم “إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الجسيم بقصد تدمير السكان كليًا أو جزئيًا”. كما يُعد ذلك جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وفقًا لأحكام المادة 8 من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تجرّم الهجمات المتعمدة ضد المستشفيات والأعيان المدنية، وحرمان السكان المدنيين من وسائل الحياة الأساسية.
المركز إذ يُحذّر من التداعيات الإنسانية الكارثية لتقويض المنظومة الصحية في قطاع غزة، فإنه يؤكد على ضرورة قيام المجتمع الدولي، وبشكل عاجل، بتوفير الحماية للمنشآت الصحية والطواقم الطبية في قطاع غزة، وضمان احترام قواعد القانون الدولي الإنساني. كما ويشدد على أهمية تفعيل آليات العدالة الدولية لتجريم قادة الاحتلال الإسرائيلي وتقديمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية، بصفتهم مسؤولين عن جرائم ممنهجة بحق المدنيين والمنشآت المدنية الطبية.